Powered By Blogger

dimanche 24 août 2014

  •  سيمينار الذاكرة الوطنية في مؤسسة التميمي للبحث العلمي
    مع السيد رشيد صفر الوزير الأول الأسبق حوار حول 
    أية دروس من قراءة الحركة الوطنية و بناء الدولة الوطنية 

    السبت 14 جانفي 2012
     

    د. عبد الجليل التميمي : 
    كنا قد دعونا السيد رشيد صفر إلى السمينار الذي عقدناه حول المرحوم الهادي نويرة وفوجئ الحاضرون بمحتوى تدخله عندما أمدنا بمعلومات مباشرة ودقيقة حول شخصية المرحوم الهادي نويرة رجل الدولة بامتياز. و قد تأكد لي أن دعوة أمثال هاته الشخصيات الوطنية ستفيد ولا شك، قاعدة البيانات حول الحركة الوطنية وبناء الدولة الوطنية. 
    على ضوء ذلك اقترحت على السيد رشيد قبول دعوتي لتشريفنا على منبر المؤسسة لينقل لنا جزءا ثمينا من ذكرياته. 
    التحق رشيد صفر بمعهد الدراسات العليا من أكتوبر 1953- إلى جوان 1957أين تابع دراسته في الحقوق والاقتصاد والتاريخ. ثم تحول إلى باريس وتابع تكوينه بالمدرسة الوطنية التطبيقية للأداءت التابعة لوزارة المالية والاقتصادية الفرنسية وأنهى دراسته العليا بكلية السربون من أكتوبر 1958 إلى جوان 1959. وهو يعد من أوائل التونسيين الذين اهتموا بشؤون الإصلاح الاقتصادي والمالي. وقد تولى عديد المهام الإدارية السامية بوزارة المالية منها الأمانة العامة لوزارة المالية من 1974 إلى سنة 1977. ثم وقع تعيينه وزيرا للصناعة والطاقة والمناجم (1977-1979) ثم وزيرا للدفاع (1979-1980) ثم وزير للصحة (1980-1983) ثم وزيرا للاقتصاد الوطني في أواخر سنة 1983 و وزيرا للمالية والاقتصاد الوطني في سنة 1986 ثم وزيرا أول منذ جويلية 1986 إلى أكتوبر 1987، وفي شهر أوت 1986 تقدم إلى مجلس النواب بقانون مالية إضافي معزز ببرنامج إصلاح هيكلي للاقتصاد والمالية مساند من طرف البنك العالمي وصندوق النقد الدولي. كما عرض في شهر ماي 1987على مناقشة ومصادقة مجلس النواب المخطط السابع للتنمية لفترة 1987-1991 
    والسيد رشيد صفر هو أبن الزعيم السياسي المحامي الطاهر صفر، أحد مؤسسي الحزب الدستوري الجديد مع ثلة من القيادات القديمة : من الحبيب بورقيبة و محمود الماطري وبصفة أخص يوسف الرويسي الذي منه انطلقت الفكرة الأولى للانشقاق على الحزب الدستوري وتكوين الحزب الدستوري الجديد. 
    وقد اشتغل بعد ذلك السيد رشيد صفر كسفير لدى المجموعة الأوروبية من 1988 إلى 1992، ثم تم تعيينه رئيسا للهيئة العليا للرقابة الإدارية و المالية 1993-1996 وقد ترأس اللجنة التي أعدت التقرير ألاستشرافي المتعلق بتصور الخطوط الكبرى لنطور تونس في القرن 21 وتقرير ثاني حول سبل تحفيز الاستثمار التونسي انطلاقا من سنة 2000. وقد صدر له سنة 1999 كتاب بعنوان"mondialisation , régulation et solidarité" بالفرنسية لدى دار لارماتان بباريس. ويتعلق هذا الكتاب أساسا بمقترحات لإصلاحات جذرية تهدف إلى الحد من تقلبات السوق المالية والنقدية العالمية و ملائمة تدخلات صندوق النقد الدولي مع مقتضيات العولمة الاقتصادية وحاجات الدول النامية وكذلك إصلاح المنظمات الدولية للحد من خطورة الأزمات السياسية والاقتصادية والمالية وتحقيق دمقرطة اتخاذ القرارات على الصعيد الدولي حتى تكون فيه أكثر عدالة. وقد اتسمت هكذا مسيرة السيد رشيد صفر بالتنوع والثراء وساهم كخبير مالي واقتصادي في بناء الدولة التونسية الناشئة. 
    ونظرا لهاته المسيرة في حقبة نسبيا طويلة وتشرب رشيد صفر بالبعض من خصوصياتها واستيعابه الدقيق لمسيرة والده المحامي الطاهر صفر، حصلت للسيد رشيد رؤية وتحليل حول منهجية تسيير الحزب الحر الدستوري الجديد وبداية الانحرافات والأخطاء التي ارتكبت قبل عهد الاستقلال وبعده تفسر انسداد وانكسار المسار الديمقراطي في بلادنا. وإن سجل الذاكرة الوطنية مفتوح في المؤسسة لاحتضان شهادات الجميع من أمثال السيد رشيد الذي نحييه ونشكره على قبوله دعوتنا وتشريفنا على منبر سمينارات الذاكرة الوطنية. وهذه الحلقة الأولى من شهاداته وسوف تتلوها ولا شك حلقات أخرى لتغطي مسيرة حياته وأن لديه ما يبلغه لجيلنا وللأجيال القادمة. 
    وعلى ضوء ذلك سوف يحدثنا السيد رشيد ويتحاور معنا حول مسيرته السياسية وتوليه عديد الوزارات : الصناعية والمناجم والطاقة والدفاع الوطني والصحة العمومية والاقتصاد الوطني والمالية. وقد تولى الوزارة الأولى في 8 جويلية 1986 لمهمة إعادة التوازن المالي والاقتصادي للدولة. وبعد استرجاع الاقتصاد التونسي شيئا من فعالياته وصحته وبعد إصدار المخطط السابع للتنمية لفترة 1987-1991 المجسم للإصلاح الهيكلي غادر رشيد صفر مهامه كوزير أول يوم 2 أكتوبر 1987 في ظروف غريبة جدا سيكشف لنا عن تفاصيلها الخفية. ويؤكد السيد رشيد صفر أن فترة تعايشه مع بن علي كانت بائسة حقا وتخللتها كثير من العقبات. 
    يسعدني للمرة الثانية أن يشرفنا الأستاذ رشيد صفر ويعلم الجميع مدى مكانة رشيد صفر في سيرورة وبناء الدولة الوطنية وليسمح لي سي رشيد قبل أن أعطيه الكلمة أن أذكر عن سبب التجاءنا إلى جمع الشهادات الفاعلين التونسيين في بناء الدولة الوطنية, حيث التجأنا إلى هذا الأمر لأن أرشيف الدولة مغلق وأرشيف الرئاسة وأرشيف الداخلية, كل الأرشيفات مغلقة فرأينا أنه على الأقل الأناس الفاعلين بإمكانهم تقديم على الأقل معلومات جوهرية وعندما قمنا بذلك اكتشفنا أنه ثمة ما يسمى بأرشيفات الصدور وكنا دوما نطالب في كلماتنا وتدخلاتنا الموجهة لبن علي أو كل الإدارات أن يسمحوا لنا بالاطلاع على تلك الأرشيفات, إلا أنهم رفضوا ذلك, لكن أريد أن أعلن خبرا مفيدا ومهما جدا وتاريخيا في نفس الوقت وهذا الأسبوع دعاني رئيس الجمهورية سي المنصف المرزوقي صحبة هشام جعيط وسي جلول عزونة على أساس استشراف رأينا حول بعض من القضايا والمسائل الثقافية وقد أرانا أرشيف الرئيس بورقيبة والذي لم يقع فتحه على الإطلاق وطلب من ثلاثتنا أن نقترح عليه تصورا ما لفتحه لعموم الباحثين, وإني شخصيا أنوه أولا بهذا الموقف النبيل من رئيس الجمهورية الرجل المثقف, المدرك والواعي, أن يرينا أرشيف الرئيس بورقيبة طالبا منا كيف يعمل على إتاحته للباحثين جميعا وهو شيء جميل جدا, وهذا يتم لأول مرة ويحصل في العالم العربي إذ بعد اندلاع الثورة التونسية ولا دولة عربية استطاعت أن تفتح أرشيفات الرئاسة وأرشيفات الوزارات الأخرى على الإطلاق وبطبيعة الحال أنا أتصور أن مكان هذا الأرشيف هو الأرشيف الوطني باعتباره المؤتمن على الذاكرة الوطنية وسي المنصف قال لنا أي اقتراح بناء في توظيف هذا الرصيد, فهو مستعد لتطبيقه وأعتقد أن هذا شيء جديد وهم وكما أعطت الثورة التونسية الإشارة لأهمية التحولات الاجتماعية والسياسية في العالم العربي بل في العالم كله فإن موقف سي المنصف المرزوقي لا بد أن يصب في هذا الانفراد وهذا الاستثناء المعرفي الأرشيفي لتونس. 
    وسي هشام جعيط وجلول عزونة وأنا عبرنا على مدى الارتياح العميق إلى هذا التحول الهام جدا في فتح أرشيف الرئيس بورقيبة, المهم عشنا مرحلة جديدة ونأمل أن رجال المؤرخين رجال الإعلام يدركون مدى هذا الموقف العميق لسي المنصف المرزوقي فشكرا له, هذه معلومة مهمة جدا باعتبار أننا في حركية وفي سيرورة الذاكرة الوطنية نرجع إلى سي رشيد صفر والجميع يعرف مكانته ولديه معلومات هامة جدا سيدلي بها, في مصير هذا البلد وهو سليل الطاهر صفر وتعرفون جيدا مكانة الطاهر صفر في مصير هذا البلد هو من أول المؤسسين لحزب الدستور الجديد على الرغم من أن يوسف الرويسي هو الذي كانت له المبادرة الأولى لانشقاق الحزب القديم, وقد ذكره محي الدين القليبي من المشرق عندما قال له معاتبا: أنت السبب في الانشقاق وانبثاق الحزب الدستوري الجديد, والدك لعب دورا أساسيا وستحدثنا الآن عن هذا الدور وعن ذكريات الوالد والعائلة, كل هذا لعب دورا كبيرا في تلمس خصوصيات الطاهر صفر, وبالتالي دورك أنت هو دور كبير, نأمل أن تساعدنا على تلمس هذا الدور في بناء الدولة الوطنية وقد مررت بأغلب الوزارات السيادية. وكانت لك لقاءات ولديك الكثير لتقوله لنا مع الرئيس بورقيبة ومع غيره من القيادات السياسية, كل معلومة تقدمها لنا سي رشيد ستكون لها أكثر من أهمية كبيرة, لأننا في فضاء أكاديمي يتعامل مع الحقيقة ومع الصدق ومع الشفافية وبالتالي هذه المعلومات سوف تسجل وتنشر في كتب, هذه الكتب أصبحت الآن المراجع الأساسية, ومنا نشر الأسبوع القادم وكتاب جديد بعنوان: الدور المغيب في مسار الحركة الوطنية بالجهات: المنستير وسوسة ونابل والمهدية, وهي معلومات لها أهمية كبرى ودعونا لها القيادات الوطنية الثقافية بكل من سوسة والمنسنير والمهدية, وقد أنجزنا سمينارا على صفاقس وآخر على القيروان وعلى بنزرت وسمينار على مقاومة الجنوب, وهاته الجهات غيبت الوطنية وأنت أحد بناة هذه الدولة, وبحضور سي الهادي البكوش وبعض السفراء والوزراء وبعض رجالات الدولة التونسية الذين يشرفهم أن يكونوا تونسيين وساهموا في بناء الدولة الوطنية. شكر لبعض الصحافيين الذين يواكبون هذه الفعاليات الأسبوعية وشكرا للجميع. 

    رشيد صفر: 
    شكرا جزيلا للأستاذ عبد الجليل التميمي على هذه الكلمات اللطيفة التي في الحقيقة تتجاوز شخصي, ولا أدعي أني كنت من بناة الدولة التونسية الحديثة في مرحلتها الأولى, إذ كانت مساهمتي متواضعة جدا. و إنه بحكم سني وبحكم مواصلة تعليمي العالي في تلك الفترة (1953-1959 ) بقيت مساهمتي في السنوات الصعبة الأولى مباشرة بعد الاستقلال متواضعة. وفي مجال المسؤوليات السياسية وبعد أزمة تعميم التعاضد وقع الاستنجاد بي غالبا في ظروف استثنائية وصعبة مرت بها البلاد, و في الحقيقة في تونس إخوة مسؤولون سابقون أكثر مني دراية ليثروا مخزون الشهادات المتوفرة لديكم بالنسبة لفترة بناء الدولة مباشرة بعد الاستقلال. وبهذه المناسبة لا يسعني إلا أن أعبر لكم عن تقديري الكبير للمجهود المتواصل الذي تقوم به مؤسستكم ولن أتردد على مدكم بما عندي كإضافة كل ما أمكن ذلك,. 

    1-دولة الاستقلال أنجزت الكثير ولكن لم تتوفق- مثل كافة الدول العربية- إلى بناء نظام سياسي ديمقراطي

    شكرا مجددا إذا على الاستضافة وشكرا للجميع على هذا الحضور المكثف في هذا اليوم التاريخي الذي تحتفي فيه بلادنا بكل خشوع بالذكرى الأولى لثورة 14 جانفي 2011 ثورة الحرية والكرامة. هذه الحرية و وهذه الكرامة التي كثيرا ما وقع للاصداع بهما في الخطب والمقالات أثناء معركة التحرير قبل الاستقلال ولم يقع مع الأسف تجسيمها تجسيما كاملا من خلال دولة الاستقلال. هذه الدولة التي كان من المفروض أن تكون فيها المؤسسات الدستورية وخصوصا منظومة العدالة مؤسسات مستقلة بالفعل عن السلطة التنفيذية حتى تضمن الحريات الأساسية لكافة المواطنين وفي مقدمتا حرية التعبير واحترام حقوق المواطنين. تلك السلطة التي ضحى شعبنا الأبي و زعماءه الأبرار الكثير من أجل استرجاعها من مخالب المستعمر وكانوا جميعا عاقدين العزم -عند استرجاعها- على تفعيل مراقبة حقيقية لأعمالها عن طريق برلمان فاعل مستقل يمثل بحق مختلف شرائح المجتمع ومختلف جهاته. بقيت السلطة في بلادنا بعد الاستقلال وذلك على غرار جل الدول العربية وطيلة نصف قرن محتكرة في يد واحدة , ولكن كانت اليد الأولى مصلحة وعبقرية ولكنها فقدت قدراتها ومواهبها مع تداعيات المرض ثم الشيخوخة. و كانت اليد الثانية غادرة فبعد أن وعدت الشعب بالديمقراطية ودولة القانون والمؤسسات, ألتفت تدريجيا على الحكم حتى أصبحت يدا أثيمة وناهبة ثم مجرمة. في مثل هذا اليوم يملي علينا الواجب قبل كل شيء أن نترحم على كافة شهداء الوطن اللذين ضحوا بأرواحهم الزكية في سبيل تحرير البلاد من المستعمر و كذالك كل الذين واصلوا النضال في سبيل تجسيم الحرية والكرامة والحقوق الأساسية لكافة الموطنين والمواطنات وذلك انطلاقا من شهداء معارك التحرير من الاستعمار المتتالية حتى شهداء ثورة الحرية والكرامة الذين فتحوا لنا صفحة جديدة في تاريخنا مطالبين باستكمال الأهداف الحقيقية لاستقلال. 
    -2 الواجب يملي علينا اليوم أن نعتذر لشعبنا لعدم قدرتنا للتصدي لحكم برزت الآن جسامة تجاوزاته ولم نكن نعلم منه إلا القليل

    نتمنى أن تحافظ بلادنا مع هذه الصفحة الجديدة لتاريخنا على كل ما تحقق من مكاسب عديدة ميزت بلادنا منذ السنوات الأولى من الاستقلال وفي مقدمة هذه المكاسب تحرير المرأة وتعميم التعليم والتفتح على العالم لكسب والتملك من المعرفة. كما نتمنى أن تأسس هذه الصفحة الجديدة المؤسسات الدستورية الناجعة والفعالة لتجسيم الديمقراطية الحقيقية و لتدارك وللقطع النهائي مع الأخطاء والانزلاقات والانحرافات الخطيرة التي بلغت ذروتها في بلادنا خلال العشرية الأخيرة مع تفشي الفساد في رأس السلطة. والحق يجب أن يقال فقد كان إجمالا جيلي عاجزا عن التصدي لسيل من الفساد الجارف. فلم تكن لي ولا لأغلب أبناء جيلي الجرأة - التي تحلينا بها في شبابنا تحت جبروت المستعمر- للاصداع جهارا بما كان يخالج نفوسنا من إحباط وتنبؤ بسير بلادنا إلى الهاوية في السنوات الأخيرة وخصوصا منذ أحداث الحوض المنجمي بقفصة في سنة 2008 .والواجب يملي علينا اليوم أن نعتذر لشعبنا لعدم قدرتنا للتصدي لانحرافات حكم برزت وثبتت الآن جسامة تجاوزاته ولم نكن نعلم منها إلا القليل في صيغي إشاعات. و جاءت ثورة شباب 2010 و 2011 لتكسر القيود ولتزيح الخوف وتحرر الاعلام. و كنت من بين العاجزين عن الإسهام في تفكيك منظومة الفساد ولم نوفق حتى على التخفيف من وطأتها. فتحية إكبار و تقدير لشبابنا ولكل من استطاع الإسهام معه في إسقاط نظام أصبح متجبرا وشمولي وفاسد. والشكر مجددا لمؤسسة التميمي للبحث العلمي التي يديرها ويرعاها بكل اقتدار الأستاذ عبد الجليل التميمي لما بذلته من مجهودات متواصلة في سنوات الجمر لفسح المجال واسعا لتوفير قاعدة معلومات متنوعة ومخزون من الشهادات الثرية التي يتعين على المؤرخين والباحثين التدقيق في خباياه والتأكد من صحتها حتى ينطلقوا في إعادة كتابة تاريخنا بصفة موضوعية ونقية بعيدا عن كل توظيف وانحياز إلى تيار إيديولوجي معين. 
    3-الأخطاء والانزلاقات التي سنتعرض لها لا تنقص شيئا من تقديرنا الصادق للانجازات الكبرى التي تحققت وغيرت وجه الوطن. 
    إن الهدف الأساسي حسب تصوري من حوار اليوم -وحوارات ربما لاحقة- يمكن في محاولة متواضعة للإسهام في استخراج بعض الدروس والعبر من عينة من الأحداث والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مرت بها بلادنا, ابتداء من ثلاثينات القرن الماضي حتى سنة 2010. مع الإشارة إلى أن الأخطاء والانزلاقات التي سنتعرض لها لا تنقص شيئا من تقديرنا الصادق للانجازات الكبرى التي تحققت وغيرت وجه الوطن. و ولا تضعف تقديرنا المتواصل لقائد تحرير وطننا وباني دولة ما بعد الاستقلال الزعيم الحبيب بورقيبة والمجاهد الأكبر. وكذلك لا تنقص تقديرنا الكبير لزعمائنا ولمناضلي ومناضلات الحزب الحر الدستوري الذي أعتز أن انتميت إليه وكنت أمين ماله وأمينه العام في ظروف جد صعبة يعرفها الجميع. و بالمناسبة أتوجه بتحية إخلاص ومودة لكل من عمل لصالح تونس في تلك الفترات الصعبة متألما كما تألمت وأرهق نفسه, كما أرهقت نفسي حتى خففنا قدر الإمكان على شعبنا وطأة الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي كان سائدا بالخصوص في فترة 1986 -1987. وقد أدى إجمالا جيلنا الواجب منذ الاستقلال حسب ما يمليه الضمير في نطاق ما كانت تسمح به الظروف وجنبنا الدولة والوطن الانهيار والإفلاس. 
    والحق يجب أن يقال: لقد تميزت بلادنا, من حسن حظها, في مختلف مراحل تاريخها المعاصر بعدد كبير من الإطارات والمناضلين والمواطنين الأحرار في كافة الإدارات والمؤسسات العامة والخاصة الذين تحلوا بالقيم العليا والكفاءة الثابتة ونكران الذات وبقوا بعيدين كل البعد عن ملابسات التكالب عن الحكم وعن السعي للمناصب أو الكسب الغير شرعي. وكان دوما ديدنهم القيام بالواجب والحفاظ على المصالح العليا للبلاد كل من موقعهم. وهذا العنصر يفسر إلى حد كبير _حسب تصوري_ تمكن تونس من تحقيق استمرارية الدولة والقيام بدورها الأساسي وحماية الشعب قدر الإمكان من التداعيات الخطيرة للأزمات المتتالية التي مرت بها البلاد وبقيت صامدة وواصلت تقدم و تنمية الوطن لو بتعثر أحيانا... فإلى هؤلاء جميعا نقدم أجمل التحيات أن كانوا أحياء ونترحم على أرواحهم الطاهرة داعين الله عز وجل أن يمدهم برحمته الواسعة إن كانوا قد غادروا هذه الدنيا الفانية. 
    4-لماذا لم تتجذر في مجتمعنا ثقافة الديمقراطية الحقيقة وثقافة حقوق الإنسان ودولة القانون الحق منذ بداية الحصول على الاستقلال ؟ 
    أنطلق في هذا الحديث معكم من السؤال الأساسي التالي و المؤرق ومن ما يترتب عنه من أسئلة فرعية: لماذا لم تتجذر في مجتمعنا ثقافة الديمقراطية الحقيقة وثقافة حقوق الإنسان ودولة القانون الحق منذ بداية الحصول على الاستقلال ؟ وذلك في الوقت الذي كانت بلادنا مؤهلة موضوعيا لتجسيم مسار سياسي ديمقراطي أكثر من بقية الدول العربية و الإسلامية الأخرى, وهذا نظرا لعدة عوامل تاريخية وثقافية وتربوية وبالخصوص نظرا لغزارة الحركة الفكرية السياسية والثقافية الذي ميزت نخبنا قبل الاستقلال, و حتى منذ القرن التاسع عشر وخاصة في ثلاثينات القرن العشرين. هل كانت الأسباب تاريخية بحتة؟ أم هي نتاج طباعنا وشخصيتنا ومزاجنا؟ أم أننا لم نحسن تجذير السلوك الديمقراطي أثناء مسار الحركة الوطنية؟ أم إننا لم نعمق التفكير في قضية جوهرية هي قضية "الغاية والوسيلة في مجال العمل السياسي" وقضية القيم والأخلاق في مناهج تسيير الشأن العام؟ 
    ألم يقل أحمد شوقي "إنما الأمم الأخلاق ما بقيت, فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا"... 
    وقد رددنا هذا البيت الشهير مرارا.............. 
    فهل نبل الهدف يبرر دائما استعمال كل الوسائل حتى القذرة.. وقد قال بورقيبة في خطاب له بتاريخ يوم 10 جويلية 1965 بوضوح تام: "الغاية لا تطهر إلا بطهارة الوسائل المستعملة لبلوغها, وإلا فهي مهددة في جوهرها بحكم ما يتسرب إليها من فساد؟" فهل طبق الزعيم وهل طبقنا ذلك في كل المجالات؟ هل ألتزم جميعنا بذلك الشعار الذي طالما رددناه: الصدق في القول والإخلاص في العمل؟........هل أقلعت نخبنا السياسية مع " المكيافلية القروسطية"..,.؟ 
    أقترح أن تكون هذه الأسئلة المؤرقة حاضرة دوما في أذهاننا أثناء هذه المحاولة المتواضعة للاعتبار و استخراج الدروس وكذلك أثناء كل الحوارات التي ستهتم ببناء مستقبل وطننا. و سأستحضر في هذا الحوار بعض الذكريات عن مسيرة ولدي مع رفيق دربه المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة, ثم أنتقل باقتضاب – إن سمح الوقت- إلى عينة من الأحداث التي عايشتا والتي كان بالإمكان تفاديها لو توخينا المنهج الديمقراطي الحقيقي ولو على أسس المنهجية المرحلية التي ميزت تفكير وإستراتجية الزعيم ثم الرئيس الحبيب بورقيبة ! 
    أعتقد أن هذه المجموعة من الأسئلة تبقى محيرة ومعيقة للعمل المستقبلي إذا لم نجب عليها الجواب الصحيح في هذه الفترة التاريخية الهامة, وإذا قصرنا أو أخطأنا في الجواب عن هذه الأسئلة فسنعرض وطننا لا قدر الله إلى نكسة ثانية تكون في الظرف الاقليمي و العالمي الحالي عواقبها وخيمة جدا وتهدد حتى كيان الدولة, في الوقت الذي تحتم علينا التحديات الجسام أن ننطلق بسرعة في بناء نظام سياسي ديمقراطي بحق نظام سليم يصمد أمام الهزات. إن الديمقراطية الحقيقية بما فيها من مخاطر تبقى أفضل النظم السياسية و جميعكم يعرف الكلمة الشهيرة المحسوبة على مقولات "ونستون تشرشيل" الوزير البريطاني الأسبق: "الديمقراطية ليست بنظام مثالي ولكنها أقل الأنظمة نقائص" وكلنا يعرف أن النموذج المثالي لا يوجد فوق الأرض ولا توجد المدينة الفاضلة التي حلم بها" أفلاطون", ولكن بين "مدينة" فاسدة و ناهبة و بين "مدينة" ترسي قواعد نظام يحاول ويسعى موضوعيا لإثبات حقوق الناس ويدعو المواطن إلى القيام بواجباته واحترام حقوق الآخرين, هنالك فرق شاسع يحتم علينا جميعا عدم التأخر في تعمق التحليل في كافة الأحداث التي عاشتها بلادنا أثناء معركة التحرير وأثناء بناء دولة ما بعد الاستقلال واستخلاص كل العبر منها حتى لا نعيد نفس الأخطاء. 
    ولا يجوزوا البتة حسب تقديري أن نسمح لأنفسنا في تقييمنا لتاريخنا المعاصر بأن نضع الفترتان, فترة الرئيس بورقيبة ودولة ما بعد الاستقلال, وفترة بن علي في نفس الواد, كما أسمع ذلك, في كثير من التصريحات, فهذا ليس فقط فيه إهانة لزعيم أحببناه وقدرناه وبقينا نكن لتضحياته و عبقريته كل التقدير رغم الاغلاط والنقائص. وأقول إن في مثل هذا التقييم المخطئ تبرز إهانة لكل الشعب التونسي و بمن فيهم من يتفوه بهذا الخلط: هم أناس يهينون أنفسهم ويحطون من مستواهم وينزلقون في منزلق خطير.إن الحكم الموضوعي عن مرحلتين مختلفين يجب أن يوضع في إطارهما العام وفي محيطهما الجيوسياسي والتاريخي, ولا يمكن أن نحكم على الفترة البورقيبية دون أن نضعها في الإطار الزمني والجيوسياسي الذي عاشته, وبالرجوع إلى تلك الفترة نلاحظ بسهولة أن تونس كانت في مقدمة الدول الأفريقية التي استقلت, و سبقتنا فقط ليبيا, التي تحصلت على استقلالها في ظروف سهلة بعد انهيار إيطالية في الحرب العالمية الثانية. وكان تحصيل تونس على الاستقلال صعبا وصعبا جدا. 
    5ـ ترسيخ الديمقراطية يبدأ بممارستها داخل الاحزاب ومؤسسات المجتمع المدني سواء أثناء معركة التحرير أو بعد الاستقلال. 
    و في هذا السياق أريد ألإشارة إلى محادثات عديدة دارت بين والدي وصديقه الحميم الزعيم الحبيب بورقيبة حول منهجية التحرير من الاستعمار وتأثير منهجية التحرير في ما بعد على طبيعة النظام السياسي بعد الاستقلال. أن والدي ربما كان أقرب من المفكر السياسي الحر. وكانت حواراته عديدة مع بورقيبة لتصور المنهجية العصرية والسليمة التي يتعين إتباعها من طرف الحزب الحر الدستوري الجديد الذي انشق عن حزب الدستوري القديم لأسباب يعرفها الجميع, وهذه المنهجية تهدف أساسا إلى بعث حزبا ديمقراطيا جماهيريا على غرار الأحزاب الغربية والغير الشمولية يكون مدرسة لتمرس الشعب التونسي على العمل السياسي الديمقراطي. وهذا ما أصدع به والدي من اليوم الأول ضمن الكلمة التي أفتتح بها مؤتمر قصر هلال الشهير في مارس سنة 1934 وعندما توفي والدي كنت في التاسعة من عمري ولكن أخبرني بالخصوص عمي أحمد صفر متفقد التعليم العربي وحدثني طويلا عندما كبرت عن علاقة والدي وجدالا ته مع الزعيم الحبيب بورقيبة. كان والدي- ويلتقي معه إجمالا وبالخصوص في هذا التوجه الدكتور محمود الماطري و وزميله البحري قيقة – قلت كان والدي يعتقد كامل الاعتقاد أن انسلاخ المجموعة الشابة عن اللجنة التنفيذية و تصميمها على بعث الحزب الدستوري الجديد كان أساسا يهدف للخروج من احتكار النفوذ الفردي داخل الحزب ومن احتقار الشعب وتوخي المنهج الديمقراطي في أخذ القرار وتحقيق تعبئة شعبية حقيقة كل ذلك مع احترام الرأي المخالف- ولا ننسى أن السبب الأول في الانشقاق كان يتعلق بتوجيه لوم وتوبيخ لبورقيبة من طرف بعض أفراد من اللجنة التنفيذية بدون احترام مقتضيات النظام الداخلي للحزب- و كان الحبيب بورقيبة قد قام بمبادرة سياسية من المفروض أن يشكر عليها. ورأى بورقيبة بأنه لن يبقى في حزب لا يمكنه من أبسط المبادرات وتنفرد بعض القيادات فيه بأخذ القرار دون الرجوع إلى الهياكل. إذا كان السبب الأول بدون ريب لبعث حزب جديد يكمن في عدم الرضى عن أخذ قرار فردي و تعسفي.و لو كانت فكرة الديمقراطية مرسخة في تقاليد عمل الحزب القديم و ولو كانت الثقة متوفرة لكان اجتماع للجنة التنفيذية الذي نطر في مبادرة بورقيبة يعقد بحضور جميع الأعضاء- القدامى والجدد الذين التحقوا بهم- ويحصل هكذا حوار رصين ومسؤول وديمقراطي كان يجنب الانقسام....... 
    وخلاصة الأمر فبالرغم من تواجد حركة فكرية غزيرة ونيرة وتعددية حزبية نسبية في تلك الفترة كانت أحزابنا منذ البداية تتصرف بنوع من التصلب والانفراد بالقرار.والانشقاق كان ثورة على الانفراد بالقرار في التسيير و كذلك على طرق اعتبرت بالية للعمل في الحزب والكذب عن الشعب وعدم الالتصاق بالشعب و عدم التخطيط للرفع من مستواه. و وكان الشعور بأن الحزب كان نخبوي خاصة بعد مغادرة الثعالبي. وهذا الذي يجب إبرازه لنفهم كيف أن فكرة الديمقراطية التي ربما غذتها الحركة الفكرية لم تجد لها تجسيما في الواقع اليومي لتسيير الحزب القديم ثم توفرت في الحزب الجديد لفترة زمنية ثم غابت في فترات أخرى و خاصة بعد الاستقلال. و فعلا ستتكرر كما سنرى في مسيرة الحزب الجديد السلوكيات الغير ديمقراطية: 
    - ففي قصر هلال عندما انبعث الحزب الجديد كانت الكلمة الأولى- كما ذكرت سلفا- ألقاها والدي في الصباح والكلمة الأخيرة ألقاها الحبيب بورقيبة في المساء, وبالرجوع إلى الوثيقة التي لخص فيها الشاعر والصحفي سعيد أ بوبكر أشغال المؤتمر تحت اسم دستوري محايد, نجد أن من أول الجمل التي نطق بها والدي هي " نريد أن يكون حزبنا, حزبا ديمقراطيا على غرار الأحزاب الديمقراطية الغربية الكبرى, هذا في اعتقادي أمر هام. انبعاث الحزب الجديد كان مقترن بإرادة قوية تقاسمتها المجموعة الباعثة للحزب بقناعة كبيرة و كانوا يتصورون أنه محتم عليهم أن يأتوا بالحجة للمستعمر وللرأي العام الداخلي والدولي أنهم بمستواهم التفكيري و بمستواهم التنظيمي و بأسلوبهم في العمل السياسي لا يقلون مستوا عن الأحزاب المتواجدة في أوروبى, وكانوا مقتنعين بأن المفهوم القانوني لنظام الحماية يتضمن نهايتها متى يصبح الشعب التونسي قادرا على تسيير نفسه بنفسه, كانت الحماية بحكم التحليل القانوني وبحكم مجرى التاريخ ستزول يوما ما. فشعر زعماؤنا بأنه حان الوقت لكي يدخلوا في عمل جاد وطويل النفس للإعداد الشعب وتثقيفه وتأطيره و تكذيب ما كان يدعيه المستعمر بأن الشعب التونسي شعب غير قادر على تسيير شؤونه بنفسه وغير قادر على بعث نظام يضمن الاستقرار والأمن والعدل ويصمد. وكانت المجموعة الباعثة للحزب الحر الدستوري الجديد بمستواها التكويني و بمستواها التفكيري واعية كل الوعي بأنه يتحتم عليها أن تثبت في تونس ثم في الخارج إنه يوجد في البلاد التونسية حزب مهيكل له نظرية عصرية لنظام الحكم وله برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي و ثقافي لا ينقصه شىء عن ما هو موجود في الغرب. وهذا هو التحدي الكبير الذي وضعته مجموعة الحزب الجديد نصب أعينها. ولكن ضمن هذه المجموعة كان من بينهم قائد له إرادة أقوى من غيره وله شخصية أقوى من الآخرين وكانت له شعلة في نفسه وشجاعة نادرة.كان بالخصوص في الثلاثنيات يريد أن يسبق الأحداث ويريد أن يسرع ويريد أن يسبق الآخرين ويريد أن يصنع الأحداث. فمن أجل ذلك لهذا دخل في مرحلة توسع الحزب وتوسع عدد تركيز الشعب وتوعية الشعب للكفاح ولكن لم يعطي أهمية لصياغة برنامج سياسي واقتصادي حتى تكتمل نظرة هذا الحزب الواعد, [b]فالمؤتمر الذي عقد سنة 37 على سبيل المثال اقترح وكان ذلك بإصرار من المرحوم والدي والمرحوم الهادي شاكر أن تتكون لجان وأن يكون للحزب إلى جانب منهجيته السياسية برنامج اقتصادي واجتماعي عملي. ولم يحدث ذلك مع الأسف. وتحملت البلاد تبعات هذا النقص. وسرعان ما شعرنا بهذا الفراغ عندما تقلد الحزب أعباء الحكم في ستة 1955,[/b] وفي آخر الأمر أخذ الحزب برنامجا صمم بعجل من طرف هيكل ثاني كان له دور هام في المشاركة الفاعلة في معركة تحرير البلاد, وهو كما نعلم الاتحاد العام التونسي للشعل. وإن كانت بوادر هذا البرنامج أقحمها الأستاذ الفيلالي في مؤتمر الحزب بصفاقس سنة 1955, و كانت مجرد خطوط كبرى و أما البرنامج في تفاصيله لم يقدمه الحزب بل قدمته منظمة نقابية ساهمت بقسط كبير وساهم باعثها الشهيد فرحات حشاد, في مرحلة حاسمة لبلوغ الاستقلال ولكن كان على الحزب أن يكون له برنامجه هذا إذن الخطأ الأول. 
    وأنا أتكلم عن الماضي أتصور في نفس الوقت أنه يخامر فكر الجميع أننا في المرحلة الانتخابية الحالية التي مررنا بها منذ أسابيع شعرنا بأن الكثير من الأحزاب التي تقدمت للناخبين لم يكن لها برنامج اقتصادي عملي يأتم معنى الكلمة. وهذا هو نفس الخطأ الذي وقع فيه سابقا الحزب الحر الدستوري الجديد. و في مرحلة محاولتها لتكسير النظام ولتغيير النظام لم تنكب الأحزاب التونسية المعارضة على صياغة برامج اقتصادية واجتماعية قابلة للتطبيق في الوقت الذي لا يمكن الحديث عن عمل سياسي جدي في ظل غياب برنامج اقتصادي واجتماعي عملي مرقم, ولا يمكن تسيير دولة دون برنامج اقتصادي عملي ناجع وقابل للتطبيق. 
    في اعتقادي لم تكن محنة الخلاف اليوسفي ـ البرقيبي التي عاشتها بلادنا والتي كادت أن تؤدي بنا إلى حرب أهلية هي التي تفسر بمفردها و إلى حد بعيد جنوح الزعماء إلى التفكير في إختيار نظام سلطوي. قد اقتنع بورقيبة بضرورة إرساء نظام قوي خاصة بعد مؤامرة 1962 . ولم يكن الوحيد على هذه القناعة بل سانده الفريق الذي كان حوله أيضا في فترة 1956-1962. واستمر نفس الوضع بل تفاقم في الفترات الاحقة وبلغ أوجه سنة 1975 مع الرئاسة مدى الحياة.و من خلال ملابسات ما سمي بالفتنة اليوسفية , تبين للمجموعة التي تحملت أعباء الحكم إن الشعب التونسي لم تكتمل بعد لحمته ولم يكتمل تثقيفه ووعيه. فلا بد إذن من نظام قوي, مدعم بحزب قوي, وكان مفروض ان يقوم هذا الحزب بدورين أساسيين: استكمال توحيد هذه الأمة وتدريبها على مقتضيات العيش معا وتجنيبها ويلات التطاحن الطبقي هذا من جهة, و من جهة أخرى تدريب الشعب على مراحل لإرساء في الابان نظام سياسي ديمقراطي ناجع , وهنا برزت فكرة ما سمي بالوحدة الوطنية الضرورية لمواصلة بناء مؤسسات الدولة الجديدة والإقدام على تحديات مقاومة التخلف الاقتصادي والاجتماعي. و كان ذلك يتطلب فعلا عملا جبارا وجهدا متواصلا وانضباطا من طرف الجميع وعدم اضاعة الوقت في المجادلات الايديولوجية, وللتذكير ولوضع الأمور في إطارها, فعندما خرجت فرنسا من بلادنا, كنا حوالي 3 ملايين ساكن,منهم 60% في حالة سوء تغذية وخصاصة. وهذا الرقم ليس من كلام الدستوريين, بل مرجع الرقم المهول وثيقة لا يعرفها ربما إلا القليل من التونسيين, وثيقة محاضرة Raymond Barre وتجدونها في مجلة Ibla. محاضرة طويلة كان لي الحظ في ذلك الوقت أن أستمعت إليها في السنة الجامعية 1953-1954 أي سنة قبل الاستقلال الداخلي. وقيل لي أن مكتبة Ibla قد حرقت, ولكن من حسن الحظ أنني أحتفظ بنسخة من هذه الوثيقة الهامة- أضعها على ذمة الباحثين الجديين- لأن الأستاذ الفرنسي ريمون بار- الذي سيصبح وزيرا أولا في ما بعد في بلاده- كان متملكا بالعلوم الاقتصادية الحديثة أحسن تملك, وفي ذلك الوقت كان يدرس في معهد الدراسات العليا بتونس وكنت من بين تلاميذه في دروسه الخاصة بالاقتصاد السياسي في السنة الأخيرة من تدريسه في تونس أثناء السنة الجامعية 1953-1954 ومن هذه الدروس ألف "بار" كتابه في جزأين le traité d’économie politique الذي سمي سنوات طوال LE BARREوتناولته أجيال من الطلبة وترجم إلى عدة لغات وبقي- مع تحيينات متلاحقة -إلى اليوم كتابا مرجعيا في مادة الاقتصاد السياسي. ويأسفني كثيرا أن ألاحظ أن الاقتصاديين الجدد الذين انغمسوا في اختصاصات "جد ضيقة" دون أن يمروا من تكوين جيد في هذه المادة الأساسية ألا وهي مادة الاقتصاد السياسي التي تعطي لمن يريد أن يتوغل في العلوم الاقتصادية الأسس الأولى لمسار تطور العلوم الاقتصادية, و قد أصبح مع الأسف الكثير من دارسي علوم الاقتصاد- منذ ثمانيات القرن الماضي بالخصوص- ينتقل بسرعة إلى اختصاصات في هذا المجال و يتعمق في الأمثلة الرياضية دون أن تكون له هذه القاعدة الأساسية الضرورية ألا وهي التكوين في الاقتصاد السياسي. والأزمة العالمية المالية قد أبرزت بحدة هذا النقص في تكوين المختصين الجدد في الاقتصاد. وأقدمت أكبر الجامعات الأمريكية بعد الأزمة على مراجعة برامج الدراسة في الاقتصاد لإرجاع الاقتصاد السياسي كمادة إجبارية . 
    ولا أدري هل في بلادنا وقع إصلاح برامج التكوين الاقتصادي على ضوء الأزمة العالمية؟ ...... 
    .معذرة عن الخروج عن الموضوع الأساسي.... 
    فلنعد إلى قضية عدم ترسيخ المسار الديمقراطي منذ الاستقلال أريد التأكيد على أني لا أدعي أني أقدم حقائق مطلقة في هذا الموضوع الهام. وأعي أنني أقحمت نفسي في تحليل قضية معقدة جدا, تختلف فيها الآراء, وتتعدد فيها التحاليل. ولكن لا مناص في اعتقادي من دراسة هذا الموضوع علميا من مختلف جوانبه ومن طرف مختصين من مختلف اختصاصات العلوم الانسانية واستخلاص كافة العبر. لم نقدم بما فيه الكفاية في الخمسين سنة الماضية على التعمق وتوسيع رقعة الحوار النزيه والعلمي والنقدي, حول شروط نجاح وضرورة تركيز النظام الديمقراطي السياسي الحقيقي. فمن الغباوة أن نعيد الخطأ وأن لا نتعمق في مسيرتنا الماضية بموضوعية وبنظرة نقدية حتى نبرز بدقة جميع إيجابياتها وجميع نقائصها. أتمنى أن أكون مخطئا في ما سأقوله الآن : " إني أخشى اليوم أن نعيد نفس الأخطاء و نفوت الفرصة التاريخية لإرساء الديمقراطية الحقيقية. لذلك أنا لست مع فكرة الشهادة التاريخية للشهادة فقط. أنا الآن مع الشهادة التي يكون هدفها هو الاستعاضة وأخذ العبر والنقد الذاتي, لأن بناء الدول وبناء الأنظمة السليمة لا يتم إلا بتراكم المعرفة وبتراكم التجارب واستخراج الدروس, كل الدروس من التاريخ القريب والبعيد. فإن استمر الحال على ما هو عليه وبقي كل جيل يقوم بتجربته. ثم ندون هذه التجربة ونكتبها ونقدم شهادات عنها ويأتي جيل آخر لا يبالي ولا يستفيد بتلك التجربة وينتقل إلى تجربة أخرى ومغامرة أخرى فسوف لا يحصل في المجتمع ذلك التراكم المعرفي الذي بدونه لا تبنى الدولة السليمة و لا تحقق الحوكمة الرشيدة المنشودة... 
    [b]كل ذلك يجعلني ألح على شعوري بأن النقائص والأخطاء انطلقت منذ معركة التحرير وعندما أقول على سبيل المثال إن زعماءنا أخطوا بعد سنة 1937ـ لما عدلوا عن تركيز لجان تتعهد بإعداد برنامج اقتصادي واجتماعي للحزب الحر الدستوري الجديد ـ أشير إلى هفوة خطيرة دفعنا ثمنها غاليا فيما بعد.[/b] وعندما أقول بأن حزبنا بعد مؤتمر 1937 عندما لم يحترم دوما القواعد الديمقراطية في أخد القرارات ولم يرسخ المنهج الديمقراطي لا داخل الحزب و لا في تثقيفه للشعب من خلال نشاط كافة جامعاته و وكافة شعبه أشير إلى خلل هيكلي يفسر إلى حد كبير غياب الديمقراطية في بلادنا حتى انفجرت الثورة . لقد مهدنا منذ بداية معركة التحرير إلى الحكم الفردي لأنه حتى مؤتمر 1937 يمكن أن نقول أن الحزب الحر الدستوري الجديد بقي وفيا لمنهجيته الديمقراطية في أخذ القرار,و في احترام قانونه الداخلي الذي كان لوالدي الفضل في تحريره من ألفه إلى ياءه, وكان واعيا كل الوعي بدور كل فصل وأهمية احترام كل فصل من هذا القانون. بدأ الإخلال باحترام القانون الداخلي للحزب في دورة المجلس الملي الذي انعقد في مارس 1938 ولم يقع احترام القانون الداخلي للحزب أولا في مشاركة في الاجتماع بالإضافة إلى أعضاء المجلس الملي المنتخبين عدد قرابة 20 أو 30 مناضلين آخرون رأى الزعيم بورقيبة ضرورة دعوتهم لأنه توسم فيهم الخير وأقحمهم في الاجتماع بدون أن يكون ذلك القرار متفق عليه في اجتماع الديوان السياسي. ثم وقع اختراق القانون الأساسي ثانية عندما لم تعرض مشاريع اللوائح على مداولات الديوان السياسي قبل عرضها على المجلس. وترتب عن هذا الإخلال الإشكاليات التي برزت في الاجتماع. 
    والإشكال الأول تمثل في عملية انتخاب الرئيس الجديد للحزب. ويعلم الجميع أنه قبل انعقاد المجلس الملي في 13 مارس 1938 كان الرئيس محمود الماطري قد استقال. وكانت الاستقالة قد تمت على مرحلتين: استقالته الأولى لم ترضي أعضاء الديون السياسي, لأن الدكتور الماطري بين في الرسالة بالتفصيل الأسباب الحقيقية لاستقالته. وأقر جميع أعضاء الديوان السياسي أن نشر الرسالة في صيغتها الأولى سوف تجلب ضررا لإشعاع الحزب فكلف وفدا من الديوان السياسي يضم يوسف الرويسي والطاهر صفر للتحاور مع محمود الماطري وإقناعه بتعديل رسالته والاكتفاء بالإشارة إلى أوضاع صحية تفسر انسحابه من الرئاسة. وكان والدي في تمزق نفساني كبير أثناء هذه المهمة وقال لعمي أحمد: 'عندما غادرنا الدكتور الماطري بعد أن حصلنا على الرسالة الثانية, وأقنعناه بالاكتفاء بالإشارة إلى أوضاع صحية, كانت عينيا ممتلئتان بالدموع لأني كنت متأثرا و مقدرا نبل هذا الرجل الذي كان له الحق في التمسك بأفكاره ومبادئه والإصداع بها لمن منحوه ثقتهم لرأسه الحزب." وهذا ليس بالأمر البسيط, كما يتصوره ربما البعض, بل هو أمر أساسي للتدرب على العمل الديمقراطي السليم. فرصة تضيع للتمرس على الديمقراطية لو فسح المجال لذكر الاسباب الحقيقية التي كانت وراء الاستقالة علنا وفي حينها. 
    و الاشكال الثاني يتعلق بما حدث في إجتماع المجلس الملي المنعقد في مارس 1938 . فخلافا لما ورد في بعض الكتب في ما يخص انتخاب الرئيس الجديد للحزب في اجتماع المجلس الملي يوم 13 مارس 1938 لم يقع اقتراح من أي كان اسم مرشح للرئاسة الحزب, بل وقف جميع الحضور بعفوية وهتفوا باسم الطاهر صفر لتحمل أعباء رئاسة الحزب. ووجد الطاهر صفر أمامه إخوانه المناضلين ينادونه بتحمل المسؤولية, فقبل المسؤولية متأثرا ومتصورا أن هذا الحماس الذي أبدأه هذا الإجماع مرتبط بقناعة من طرف كافة المشاركين بأفكاره وتصوراته بالنسبة لمرحلة خطيرة في مسار الحزب. ولكن سرعان ما خاب ضنه إذ فوجئ بعد حوالي ربع ساعة بتقديم لائحة سياسية تتلى على المجلس وتوجد فيها فقرة خاصة بالتصعيد كان والدي قد طلب إزالتها في اجتماع الديوان السياسي وحصل الاتفاق على ذلك بعد اقتناع الحضور بصحة وجهة نظره. وكان للطاهر صفر تحليل معمق يفسر به خطورة وعواقب التصعيد على الحزب في تلك الفترة .. وكان المناضلون يعرفون حق المعرفة أن الطاهر صفر رجل رصين يخاطب الفكر قبل مخاطبة العواطف ولا ينزلق إلى الانفعال. ولكن انفعل الطاهر صفر في ذلك اليوم و بشدة وهو الذي عادة لا ينفعل وخرج من المجلس الملي بعد الإعلان عن تخليه عن الرئاسة التي كان قد قبلها لبرهة من الزمن. و كان في قرارة نفسه مصمم على الاستقالة كذلك من الديوان السياسي. 
    أمام هذا الوضع لم يرى بدا الرئيس بورقيبة إلا أن أتى إلى منزل صديقه و ذلك حوالي أسبوع بعد انعقاد المجلس الملي, كان المنزل في باردو بنهج البرتقال وكنت في الخامسة من عمري. أتى الرئيس بورقيبة مع ابنه ودخل للحوار مع والدي, وانفرد به وكان الحديث طويلا في ذلك اليوم بين الحبيب بورقيبة و صديقه الطاهر صفر, ولم أعلم بفحواه إلا بعد أن كبرت ورأى عمي أحمد صفر من المفيد إعلامي بمضمونه. وكان والدي بعد أن خرج من السجن العسكري والمدني في سنة 1939 قد بدأ في تحرير مذكراته لتغطية الفترة بين 1936 إلى سنة 1939 وليروي لنا كل ملابسات تلك الفترة الغزيرة بالأحداث ولكن لما زاره الدكتور محمود الماطري في منزله ولاحظ خطورة وضعه الصحي وطلب منه الانتقال بسرعة إلى مستشفى العزيزة عثمانة, طلب والدي من والدتي قبل أن يخرج من المنزل أن تحرق ما حبره وقال لها بالحرف الواحد: "ما حبرته قد كتبته للتاريخ ولكن نحن الآن نعيش تبعات حرب عالمية وربما تمسنا هذه الحرب"- وكان هذا الكلام في 5 أوت 1942 - وأضاف والدي : "ربما تسقط هذه الأوراق في أيادي تريد الضرر بالحزب و تحدث تضررا بمستقبل البلاد." ولم يخرج والدي من المنزل إلا بعد التأكد من حرق المذكرات التي حبرها, و بقي حتى الآن أمام عينيا دخان هذه الأوراق التي كتبها والدي على أوراق صفراء بحبر بنفسجي وملأ بها مكتبه بالمنزل. ويبقى ما رواه والدي لجدي ولعمي أحمد عن تلك الحقبة من تاريخ بلادنا شيء قليل بالنسبة للتفاصيل التي كان قد دونها في أكثرمن 500 صفحة ثم أذن بحرقها سنة 1942 قبل وفاته وهو في التاسع والثلاثين من عمره. 
    وما بلغني عن فحوى الحوار المطول الذي دار بين الزعيم الحبيب بورقيبة و والدي هو مجرد حوصلة تفيد بأن بورقيبة أتى أساسا وقتها ليقنع والدي بعدم الاستقالة من الديوان السياسي. وقال له أنه بعد استقالة سي محمود الماطري تصبح هذه الاستقالة الثانية مضرة بالحزب. ثم أردف بورقيبة قائلا: "نحن بعثنا حزبا كبيرا وجماهيري على غرار الأحزاب العصرية التي تتعايش فيها تيارات مختلفة تتفق على الهدف الاساسي و يمكن أن تختلف في بعض السبل والمناهج. وهذا أمر معقول و مقبول أن يتواجد بحزب كبير تيارات تتفق على الأهداف ولكن ربما تختلف على الجزئيات. و ويضمن لكل تيار الحق في أن يجاهر بأفكاره." وقد أضاف بورقيبة قائلا: " أخذت يا سي الطاهر موقفا معروفا من الخاصة والعامة, وموقفك موجود بالجرائد العربية والفرنسية والمناضلون مطلعون على موقفك والسلط الاستعمارية على علم بمواقف كل منا. ثم من حق كل طرف أن يجاهر كلما اقتضى الأمر ويتمسك بموقفه." 
    فعلى هذا الأساس الموضوعي تراجع والدي عن قرار استقالته من الديوان السياسي ولكنه اغتنم الفرصة ليعيد لذاكرة زميله عدد من المواضيع التي كان قد تناولها بالتحليل معه مسبقا: وفي مقدمتها قضية الموقف الرسمي للحزب من النازية والفاشية, وقال له ربما هنالك قليل من الإخوة في الحزب تمكنوا من دراسة الكتاب الردي التحرير ولكنه خطير ,كتاب "أدولف هتلر" بعنوان " جهادي" Mon Combat . وأضاف له: " أنا درسته بإمعان وبقيت أتابع بصفة دقيقة الأوضاع العالمية, نحن مقبلون على فترة حاسمة في تاريخ الإنسانية سوف تغير الوضع الجيوسياسي وموازين القوى على مستوى العالم, ثم نحن لنا حزب ديمقراطي له تصوراته لنظام الحكم الذي يبتغيه ويريد أن يكسب الاستقلال بعمل سياسي منظم. فلا بد لنا من الآن أخذ موقف كتابي من الفاشية ومن النازية بالخصوص, وفي ذلك العمل مصلحتان: فأولا عندما نأخذ هذا الموقف الكتابي نتوفق إلى توعية إطارات الحزب بأبعاد وأخطار هذه الأنظمة التي تسعى الأحزاب الشمولية فرضها على الإنسانية جمعاء, بما فيها الدول التي تطمح لتحصيل على استقلالها. والمصلحة الثانية تكمن في الاحتفاظ بوثيقة مرجعية رسمية نستظهر بها عند الحاجة لتبرئة ذمة هذا الحزب من الاتهامات المغرضة التي من الآن نلاحظ بوادرها. ونجد في الجرائد نعوت من طرف غلاة الاستعمار بأن الحزب الدستوري الجديد عبارة على مجموعة من الفاشيين أو المتعاملين مع الفاشية, وهي اتهامات خطيرة. " 
    تجاوب الرئيس بورقيبة مع هذا التحليل, وقال لصديقه" أفهم كل ذلك ولكن أختلف معك في التوقيت لأني الآن منكب على عملية التصعيد التي سأقدم عليها, وأنا على يقين من وضرورة القيام بها. وهنالك كر وفر في الظرف الراهن و إن لم أقم بالتصعيد ستظهر مزايدات داخل الحزب ويفلت ربما الحزب من يدي, أو يفقد الحزب مصداقيته. " 
    كان هذا الحوار بين الرجلين حوارا مصيري. وقد أظهرت أحداث المستقبل صحة و وجاهة النظريتان:أحداث أفريل 1938 أعطت للحزب الحر الجديد فعلا مصداقية نضالية كبيرة , ولكنه تتضرر كذلك كثيرا , وكانت رسالة بورقيبة للحبيب ثامر المنبهة من التعاون مع النازية متأخرة جدا ولم تستطع تعويض الوثيقة المرجعية التي نادى بها والدي ولم تنجز... ولو أنجزت هذه الوثيقة ألم يكن لها دور لترسيخ منهج ديمقراطي في عدد وافر من مناضلي الحزب ؟ 
    وفي تصوري أن هذا الخطأ – المتعلق بعدم أخذ موقف رسمي واضح ومبكر من النازية والفاشية- قد حرم الحزب من أن تكون بين أيدي مناضليه وثيقة بها تحليل لعيوب كل من النظام النازي والفاشي. ومع انعدام وجود مثل هذه الوثيقة لم يكن للحزب الحر الدستوري الجديد موقف واضح من هذه الأنظمة وربما كان يقي نفسه من لانزلاق في البعض من سلوكيات هذه الأحزاب الشمولية.. و قد دفع التونسيون الذين تعاونوا مع الألمان أثناء الحرب العالمية الثانية ثمنا باهظا لان الحزب لم يقم بواجب التوعية والتنبيه في الوقت المناسب حسب تصوري. و يتعين الاعتراف بأن بعض الأخطاء وبعض الانزلاقات في الحزب أثناء معركة التحرير تفسرها صعوبة مقاومة المستعمر وما يحتمه الوضع من ضرورة الانضباط. ولكن لا نجد مبررات مقنعة للزيغ نحو الانفراد بالحكم وتغييب المنهج الديمقراطي في هياكل الحزب في فترة ما بعد الاستقلال وخاصة ما شهدناه بعد مؤتمر بنزرت ـ على سبيل الميثال ـ عندما أصبحت اجتماعات لجان التنسيق الحزب تحت رئاسة الوالي .

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

BIOGRAPHIE EXPRESS DE RACHID SFAR.
Rachid Sfar (رشيد صفر), né le 11 septembre 1933 à Mahdia, est un technocrate tunisien qui a été amené à assumer de lourdes responsabilités politiques pendant des périodes difficiles pour son pays .Nommé Premier ministre pour redresser les finances du pays, il sera l'avant-dernier chef de gouvernement du président Habib Bourguiba et sera remercié un mois avant la destitution de ce dernier.Fils de Tahar Sfar, cofondateur avec Habib Bourguiba, Mahmoud El Materi, Bahri Guiga et de M'hamed Bourguiba du Néo-Destour en 1934,
Sa formation.
Rachid Sfar effectue, après des études secondaires dans un collège de Sfax de 1947 à juin 1953, des études supérieures de lettres, de droit et de sciences économiques à Tunis où il compte notamment parmi ses professeurs François Châtelet, professeur de philosophie enseignant à Tunis de 1953 à 1955, Raymond Barre, professeur d'économie politique dont il suit les cours pendant les années de son enseignement en Tunisie, et Jean Ganiage, professeur d'histoire qui le charge en novembre 1956 de faire un exposé sur l'historique du « miracle économique » japonais. La préparation de cet exposé ainsi qu’une conférence présentée par Raymond Barre en janvier 1954 sur la situation de l’économie tunisienne sont à l'origine de son choix définitif porté sur une orientation vers les sciences économiques, les finances publiques et la fiscalité. Rachid Sfar achève ses études à Paris (1958-1959) où il suit plus particulièrement les enseignements de l'École nationale des impôts (section des inspecteurs) relevant du Ministère des Finances et de l’économie.
De 1960 à 1977, il est chargé de hautes fonctions administratives notamment au ministère des Finances dont il sera le directeur général des impôts de 1969-à1970 et le secrétaire général de 1974 à 1977.
Sa carrière politique
Après avoir occupé plusieurs portefeuilles ministériels (Industrie, Défense nationale, Santé publique, Économie nationale et Finances) de 1977 à 1986, Sfar est chargé par Bourguiba des fonctions de Premier ministre, le 8 juillet 1986, pour rétablir les équilibres financiers et économiques du pays1. Il s'efforce alors de restaurer une situation financière dégradée, des réserves en devises épuisées1 et une économie affaiblie. Sous la pression de Bourguiba qui veut reprendre les rennes de son pouvoir et devant la montée du mouvement islamiste, la normalisation de la vie politique et la démocratisation initiées au début des années 1980 ne sont plus la priorité de l'État. Le gouvernement de Sfar hérite du gouvernement précédent Zine el-Abidine Ben Ali, d'abord comme ministre de l'Intérieur, puis avec le titre de ministre d'État. Rachid Sfar est remplacé par Ben Ali à la tête du gouvernement le 2 octobre 1987 dans des conditions restées célèbres : il essuie une colère du président Bourguiba à la fin du Conseil des ministres et devant tous ses collègues Bourguiba déclare ne pas se souvenir d’ avoir autorisé certaines nomination à de hautes responsabilités dont de Abdelmalek Laarif à la direction du Parti socialiste destourien (successeur du Néo-Destour) Mohamed Ghanouchi Secrétaire d’Etat au Plan et en fait porter la responsabilité à son Premier ministre.En réalité Bourguiba était en colère parce que mécontent du jugement relativement modéré prononcé par la Haute Cour présidée par Hachémi Zemmal à l’encontre des dirigeants du Mouvement Islamiste dont il escomptait la peine suprême. De surcroit sa nièce Saida Sassi , conseillée principalement, par Ben Ali lui souffla que son Premier Ministre avait encouragé les deux députés de la Haute cour Abdallah Abbab et Mohamed Mastouri à ne pas voter pour la condamnation à mort des dirigeants islamistes.

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.